تناضل ضد السرطان والسياسة.. جينا ميلر حقوقية بريطانية تخوض سباق رئاسة كامبريدج
تناضل ضد السرطان والسياسة.. جينا ميلر حقوقية بريطانية تخوض سباق رئاسة كامبريدج
جينا ميلر ناشطة حقوقية ورائدة أعمال بريطانية من أصل غوياني، وُلدت عام 1965، وعُرفت بمواقفها الجريئة التي وضعتها في صدارة المشهد السياسي البريطاني.
اشتهرت بتحديها القانوني التاريخي ضد حكومة تيريزا ماي عام 2016 لإلزامها بالحصول على موافقة البرلمان قبل تفعيل المادة 50 الخاصة بخروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، وفي عام 2019، خاضت معركة قضائية أخرى ضد محاولة رئيس الوزراء آنذاك بوريس جونسون تعليق عمل البرلمان، ونجحت في إبطال القرار الذي كان سيؤدي إلى خروج بريطانيا دون اتفاق.
إلى جانب نشاطها القانوني، أسست ميلر حزبًا سياسيًا صغيرًا وخاضت الانتخابات البرلمانية في بريطانيا عام 2024 دون أن تفوز، حياتها الشخصية لا تقل صلابة عن حياتها العامة؛ فقد نجت من تجربة اغتصاب مؤلمة في شبابها، وتخوض حاليًا معركةً جديدة ضد سرطان الثدي، حيث تتلقى علاجًا كيميائيًا مكثفًا لم يثنها عن الترشح لمنصب رئيس جامعة كامبريدج، لتصبح أول امرأة قد تتولى هذا المنصب في تاريخ الجامعة الممتد لثمانمئة عام، بحسب صحيفة "الغارديان" البريطانية.
تؤمن ميلر بقوة التعليم كوسيلة للتمكين، وترى في دور رئيس الجامعة فرصة لإحداث تغيير حقيقي في السياسات والدعم الأكاديمي والإنساني داخل المؤسسة العريقة، خاصةً في قضايا التنوع، الصحة النفسية، وتمكين الطلاب والموظفين على حد سواء.
ميلر، التي تبلغ الستين هذا العام، لا تملك مظهرًا يوحي بأنها تخوض معركة شرسة ضد السرطان، شعرها القصير يكشف ملامحها بجرأة، وعيناها تلمعان بتصميم امرأة تعرف جيدًا معنى الصمود.
التشخيص الذي غيّر حياتها
تستعيد ميلر بدايات الرحلة مع المرض قائلة: "شخّصتُ نفسي تقريبًا.. شعرت أن هناك خطبًا ما" بعد إصرارها على إجراء الخزعة، تبيّن أنها مصابة بنوع حاد من سرطان الثدي استدعى علاجًا كيميائيًا مكثفًا من أكتوبر حتى فبراير، ثم عملية استئصال الثديين في مارس، تقول بابتسامة هادئة: "الآن أواصل علاجًا بجرعة أقل حتى ديسمبر".
لم تكتفِ بذلك؛ ففي يناير، أجرت جراحة استباقية لإزالة المبايض وقناتي فالوب لتقليل احتمالات عودة المرض وتضيف "محظوظة لأنني أنجبت ثلاثة أطفال، لم أعد بحاجة لأعضائي الأنثوية.. أريد فقط تقليل الخطر".
وسط هذه الرحلة العلاجية الشاقة، تواصل معها أساتذة من جامعة كامبريدج، مقترحين أن تترشح لمنصب رئيسة الجامعة، في البداية رفضت، ظنًا منها أن المنصب محصور بخريجي كامبريدج، ثم اكتشفت أن ذلك غير صحيح، وتقول "أخبرتهم أنني لا أبحث عن دور شرفي.. أريد القيام بشيء حقيقي... نحن في مرحلة حرجة، وكامبريدج تملك العقول والموارد لتُحدث فرقًا عالميًا".
بعد دراستها لصلاحيات المنصب، اقتنعت أن بإمكانها تحويله من مجرد منصب رمزي إلى موقع فاعل في قيادة الجامعة وحل النزاعات لذا قررت الترشح.
رحلة نضال أطول من السرطان
العلاج الكيميائي لم يكن سهلاً: "إنه يُرهق الجسد والمشاعر.. تساقط الشعر والحواجب والرموش يغيّر طريقة نظر الناس إليكِ كامرأة". لكنها لم تستسلم: "كنتُ أعمل ساعتين أو ثلاثًا في اليوم.. وأرتاح كثيرًا".
اشتهرت ميلر بتحديها القانوني الشهير في 2016 ضد تفعيل المادة 50 دون تصويت برلماني، ثم بمعركتها القضائية الناجحة عام 2019 ضد محاولة بوريس جونسون تعليق البرلمان. لكنها لم تكن محبوبة دائمًا؛ فحتى ترشحها في كامبريدج أثار جدلاً، خاصة وأنه لم تتولَ امرأة هذا المنصب طوال ثمانمئة عام.
ولكن وراء القوة الظاهرة جرح قديم لم يندمل. للمرة الأولى، روت ميلر أنها تعرضت للاغتصاب عام 1987 في حرم جامعي، قبل شهرين من امتحاناتها النهائية لدراسة القانون، تقول: "بعدها لم أستطع العودة للدراسة.. حلمي بأن أصبح محامية تحطم".
اختارت الصمت خوفًا من العار، ثم انتقلت لتبدأ مشروعًا جديدًا في بريستول مع زوجها الأول. لاحقًا، عادت للدراسة في التسويق، بعد ثلاثين عامًا، كرمتها جامعة شرق لندن بدكتوراه فخرية في القانون.
إصلاح جامعة تحتاج قيادة
تقول ميلر إنها صدمت من شكاوى الطلاب والباحثين في كامبريدج لافتة إلى أن الجامعة تواجه تراجعًا في التصنيف الدولي وعجزًا ماليًا بالملايين، كما صنفت كأسوأ جامعة في دعم الطلاب ذوي الإعاقة، مؤكدة أن هذا غير مقبول.. علينا توفير فرق دعم نفسي في كل كلية، للطلاب والموظفين معًا".
ما يمنح ميلر دافعًا خاصًا هو أن نوع السرطان النادر الذي أصيبت به PALB2 درسه واكتشفه علماء في كامبريدج نفسها، وتضيف: "أشعر أنني أدين لهم".
ومن حملات ضد العنف المنزلي والعبودية الحديثة إلى خوض معركة بريكست، ثم تأسيس حزب سياسي، وسلسلة مبادرات اجتماعية وتجارية، ميلر امرأة لم تتوقف عن النضال رغم الخسائر والهجمات والمرض.
تختم بابتسامة: "أعتقد أن لديّ الجرأة للقيام بهذا الدور.. لم أعد أحب العمل السياسي، لكنه دور مختلف"، ثم تتحدث عن شغفها بالطبخ والرقص وموسيقى إيغي بوب: "إذا أردت أن تعرف فلسفتي في الحياة.. فاستمع لأغنية Lust for Life".